إنه موسم الحصاد وقطاف الأغلال الزراعية، وفيه يكاد المشهد يتوحّد في الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، فكيفما تجوّلت وفي أيّ اتجاه، ترى القرى تعجّ بالمزارعين الذين ينطلقون مع الفجر ولا يعودون إلا مع ساعات المساء وهمّهم جني محاصيلهم الزراعيّة ولو كانت لا تعيد لهم أثمان وتكالف الزرع، أو بدل اتعاب العمل المضني، لذا تراهم يفتشون عن مصدر رزق في أرض الجنوب للتعويض عن الخسائر التي لحقت بهم جراء زراعات لم يلقوا تعويضا عنها من الدولة وخصوصا اتلاف محاصيل التبغ في عدوان تموز من العام 2006.
من هنا، رأى المزارعون أن التفتيش عن قطف الزعتر من البراري والاودية الجنوب يوفر لهم رزقا وفيرا خصوصا انه نبتة برية لا يحتاج قطافها سوى لبذل الجهد بعدما وصل سعر الكيلو الواحد منه الى 40 الف ليرة لبنانية للافراد والعائلات وهو بأقل من ذلك طبعا للتجار المحليين الذين يقومون في هذه الفترة بشراء الزعتر بعد قطفه ثم خلطه بالسمسم والسماق وبيعه بسعر اعلى، مع العلم انه في السنوات الماضية كان سعر كيلو الزعتر محليا يباع بـ12 الف بعدما كانت الاسواق المحلية يغزوها الزعتر الاردني الذي توقف نتيجة اقفال معبر ناصيب البري الحدودي فضلا عن انحسار دخول كميات الزعتر الحلبي من سوريا نتيجة الوضع المتفجر على ارضها.
زراعة القمح لم تعد كما كانت
بحسب نائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان حسن فقيه، فإنّ زراعة القمح في الجنوب لم تعد كما كانت عليه في الماضي، فقد انحسرت المساحات المزروعة قمحا نتيجة غزو الباطون للاراضي الزراعية، علما ان القمح مدعوم من الدولة، كما لم تعد التقنيات تستخدم في زراعة القمح، ولم تعد هناك ملكيات كبيرة، كما كان في سهل الخيام، معللاً السبب في تراجع زراعة القمح الكبيرة ايضًا الى ارتفاع الاجور والغلاء الفاحش.
وفي اتصال مع "النشرة"، لفت فقيه إلى أنّ الزعتر في الجنوب بحاجة الى مياه مرة واحدة في الاسبوع، وهو من الزراعات المساعدة للعائلات الريفية، الا ان الكميات المزروعة قليلة، وهناك نبتة الزعتر البرية التي تظهر في الاودية وقرب الانهر وفي الجبال يلجأ لقطفها المواطنون في هذه الفترة لتحصين انفسهم من الناحية المادية، مشيراً إلى أنّ هناك تجربة ناجحة في هذا الاطار قامت بها تعاونية زوطر، وعلى جبل الليطاني تنتشر النبتة البرية بكثرة مقابل بلدة صير الغربية وهناك تجار كبار يقومون بشراء الزعتر المقطوف والمنقى من قبل المواطنين بسعر 20 الف ليرة، وكانوا سابقا يصدرونه الى الاردن. اما اليوم، فقد توقف التصدير، وفقاً لفقيه، بسبب اقفال معبر ناصيب، ولذلك يتمّ بيع الزعتر محليًا في بيروت وغيرها من المناطق، ويُضاف الى كل كيلو زعتر 2 كيلو سمسم وكيلو سماق، وفي النهاية فان كيلو الزعتر يباع اليوم ما بين 30 الى 40 الف ليرة حسب النظافة والنوعية.
ولاحظ فقيه ان قطف النبتة البرية من قبل البعض يعرضها لعدم النمو بسبب قلعها من الشروش، حيث لم تعد تفرخ في السنة القادمة، لافتا الى ان انتاج الزعتر يسوق محليا الان، وكان يصدر في السابق وقبل اقفال معبر ناصيب الى الاردن من قبل 10 تجار كبار وكانوا في الاردن يعيدون خلطه بطريقة ممتازة وتصديره الى لبنان باسعار اغلى.
وشدد فقيه على انه ليس هناك ارقام محددة لزراعة الزعتر وانتاجه، وهي لا تدخل بالاقتصاد او بالجدوى الاقتصادية.
لتعميم زراعة الزعتر ودعم المزارعين!
"النشرة" تحدّثت إلى عددٍ من المواطنين في هذا السياق، حيث لفت المواطن شوقي ناصر من يحمر إلى أنّه بعد عدوان تموز من العام 2006 وتعويضا على المزارعين المتضررين قامت جمعيات من النروج والامم المتحدة بتسليم المزارعين شتولا من الزعتر مع خزانات للمياه لريها، وكان انتاجها داعما لاقتصاد العائلة، لكن ما لبثت ان تراجعت هذه الزراعة بكمياتها وتمسك بها عدد قليل من المزارعين حيث يعطي الدونم المزروع زعتر وعلى مرحلتين في السنة 4 ملايين ليرة الى جانب زراعة التبغ المصدر الاساس للزرق ومع الوظيفة لان الحياة ومتطلباتها صعبة، مشيرا الى ان الزعتر يطلب في الربيع للاكل اخضرا بسعر اعلى من سعره يابسا من قبل مواطنين يقصدون البلدة من بيروت والجبل.
أما المواطن سمير قاسم، فأشار إلى أنّ الزعتر يقطر من قبل اصحاب التعاونيات ويباع في الاسواق، حيث يبلغ سعر كل قنينة وسط 10 الاف ليرة، وقال: "رغم تعب التقطير والمجهود الذي يتطلبه الا ان الزعتر المقطر يستخدم لمرضى الربو والحساسية ويخلط مع التين ليصبح دوامًا لتخفيف الام المفاصل، مؤكدا انه على الدولة ومن خلال وزارة الزراعة تعميم زراعة الزعتر ودعم المزارعين في الريف لانه يتحمل الصقيع في الشتاء وينمو في المناطق التي تسطع فيها الشمس.
بدوره، أشار بسام سويدان إلى أنّ العائلة الواحدة والمؤلفة من 5 افراد صغارا وكبارا تعمل في قطف الزعتر كمدخول مساعد وهي تنتج ما لا يقل عن 4 ملايين وتبيعه في بيروت، لافتاً إلى أنّ المقطر يستخدم كنوع من الزهورات وللمغص عند التخمة والاخضر للاكل لان نبتة الزعتر اوراقها عطرية صغيرة ولونها اخضر، مطالبا دعم القرى الريفية بهذه النبتة وتعميم زراعتها لان العمل فيها لا يستغرق وقتا كزراعة التبغ او القمح.